تطوّر الشعر العربي ومقارنته قديما وحديثا

الحوار الثقافي مع الدكتور السيد العيسوي عبد العزيز كشاعر وناقد مصر ومدير النشاط الثقافي بمتحف أحمد شوقى
بقلم: رحمية العين وحنيفة نور فضيلة
Sumber: Dok. SEMA FBA

نهر المحبّة في الورى متغير #  فيغيض نبع أو تجفّ قناة

لكنّ حبك يا محمد خالد # لا تستوى الأنهار والأمواه
__________

صديقي: الدرب طويل طويل

والأمل الباقى للعودة

أمل مستحيل

فالشمس أدارت للكون الظهر

    من المعروف أنّ لكل أمم تراثا وآثار دلّ على وجودهم في تاريخ الحياة البشرية، واشتهر العرب بثروة آدابهم الضخمة الجزلة. يعدّ للأدب العربي من الثروة الثقافية ما لايمكن نكرانه ولا الارتياب فيه، فإنّ الابداع الأدبي لا ينتهى بانتهاء عصره فحسب وإنّما يظلّ قيمة فنيّة تنبض بالحياة على مرّ العصور، كل جيل يتأثر به ويتفاعل معه ويحكم عليه بما استجد من رؤى جديدة وأفكار مستحدثة.

    وللأدب العربي قسمان: الشعر والنثر، فالشعر هو مجال حوارنا اليوم. فالشعر مفهومه قديما: الكلام الموزون المقفى الدال على معنى، وحديثا: الأسلوب الذي يصوّر به الشاعر أفكاره وعواطفه معتمدا على موسيقى الوزن. كما سبق الحديث أنّ الأدب متأثر بالعصور التي مرّت عليه، قفد طرأت عليه بعض التطورات. لو أمعنا النظر إلى ما ذكره المؤلف من الشعرين المثالين لوجدنا الأوّل مختلفا بحتا عن الثاني من حيثه شكله وبنائه. رأينا الأوّل موزونا مقفي سائرا على نهج الشعراء القديم، أما الثاني الوزن والقافية فيه غير معيّن ولامقيّد ببحر من بحور الشعر المعروفة التى وضعها خليل.

    دفعت هذه المسألة إلى التساءل؛ ما هوالشعر الحديث؟ هل هو مختلف عن شكله قديما؟ لو كان مختلفان، فما الفرق بينهما؟ وما الأساس الذي لجأ به الشعراء المحدثون إلى نظام السطر الشعري؟ من الرائد في هذا المجال؟. فمن هذه التساؤلات، نودّ أن نكشف معا هذه الأمور الطارئة بالأذهان ومن ثمّ تقدّم مسؤولة مجلة "فنّ المقال" (م) حوارا لجماهير القرّاء يتحدث عن هذا المجال مع أستاذنا الكريم الدكتور السيد العيسوي عبد العزيز(د)، كشاعر وناقد النيل ومدير النشاط الثقافي بمتحف أمير الشعراء.

م: ما هو الشعر الحديث؟
د: تعتبر بداية العصر الحديث في الأدب عموما بالحملة الفرنسية أو بتوليّ الألباني محمد علي باشا حكم مصر عند النقاد والدارسين. ومن ثم تطلق كلمة الشعر الحديث على الشعر الذي ظهر منذ ذلك الوقت حتى الآن. وأحيانا في بعض الدراسات يقصد بها الشعر الجديد الذي ظهر بالتأني والتيارات الغربية أو الأفكار الغربية مثل قصيدة التفعيلة أو شعر التفعيلة.

م: ما الفرق بين الشعر القديم والحديث؟
د: إذا قصدنا بالشعر الحديث كل ما كتب من بداية عصر الحديث حتى الآن فالإجابة ستختلف عمّا إذا قصدنا بالشعر الحديث قصيدة التفعيلة أو شعر التفعيلة.

اختلف الشعر القديم عن الشعر الحديث بشكله العام من حيث الموضوعات والتأثر بالتقنية الفنية أو الأساليب الفنية لأن كل عصر له أساليب خاصة به. فتأثر العصر الحديث بفنون جديدة مثل التلفزيون، السينما، الدراما والفن التشكيلي فاستفاد الفن الشعري من هذه الفنون الحديثة، ومن ثم ظهرت أدوات فنية لم تكن موجودة في الشعر القديم. فبالمعنى الأول؛ الشعر الحديث كل ما كتب في العصر الحديث سواء كان ملتزما بالوزن والقافية أو لا.

أما إذا أخذنا الشعر الحديث بمعنى الشعر الحر – لأن هناك الشعر الحديث الذي التزم بالوزن والقافية كالشعر الحديث الذي كتبه شوقي والبارودي ومحمود حسن إسماعيل - فالفرق كبير. الشعر الحر؛جاء نتيجة التأثر بالأدب الغربي ومن ثم لم يعتمد على القافية، وإنما اعتمد على الوزن ولكن دون انتظام – بخلاف الشعر القديم فإنه اعتمد على الوزن والقافية مع الانتظام في هذا الأمر، كما هو موجود في كل القصائد القديمة. أما الشعر الحديث بمعنى شعر التفعيلة أو الشعر الحر فإنه من حيث الشكل يلتزم بالوزن دون القافية وكان خاليا من الالتزام بالهندسة الإيقاعية كما توجد في بحور الشعر القديم فإنه استبدل بالبيت فكر الشطر الشعري.

من النماذج التي أحفظها:

يا صاحبي إني حزين

طلع الصباح فما ابتسمت ولم ينر وجهي الصباح

الشطر الأول يتكون من تفعيلتين (متفاعلن، متفاعلان) أما الشطر الثاني يتكون من أربع تفعيلات (متفاعلن، متفاعلن، متفاعلن، متفاعلان).

ليس هناك التزام بعدد التفعيلة المعينة فهو لجأ إلى ما يسمى بالشطر الشعري وليس البيت الشعري.

هذا الفرق من حيث الشكل العام أو الجوهر أو الفلسفة، كل قصيدة لها فلسفة في الكتابة. هناك تفصيلات كثيرة لكني أكتفي بالعلامة الفارقة التي تتناسب مع سنكم، لكن هناك عدة مراجع تبين هذه الأمور من أشهرها "الشعر العربي المعاصر قضايا وظواهره الفنية" للدكتور عز الدين إسماعيل.

م: هل في نظام الوزن والقافية صعوبة؟ وهل كانت هذه الصعوبة التي أدت الشعراء إلى كتابة شعرهم خاليا عنهما؟
د: سؤالك عن التزام الشعر بالوزن والقافية والصعوبة نتيجة عن هذا الأمر، سأجيبه من وجهة نظري. أنا أعتقد بشدة أنه لا توجد صعوبة أمام الشاعر الحقيقي في شيء وإلا فكيف كتبت هذه القصيدة على مدار ألف وأربع مائة سنة ويزيد؟. الشاعر الموهوب كما قال العقاد؛ يستطيع أن يرقص وهو في السلاسل. فإذن أنا أعتقد أن هذه الصعوبة تكون نتيجة عن فقر الموهبة أو عن قلة الألفاظ أو ضعف المعجم اللغوي وعن قلة التحصيل وقلة القراءة والطبع الضعيف. أما إذا كان الشاعر لديه موهبة قوية واستعداد لغوي قوي فلا توجد هذه الصعوبة.

فلأجل هذا النقاد والشعراء الكبار لا يعترفون بكتابة هذا اللون الجديد - شعر الحر أو التفعيلة – إلا لمن أتقن كتابة اللون القديم. من أتقن اللون القديم فإنه قد تمرس، فحينئذ المسألة ليست مسألة العجز وإنما يريد أن يظهر لنا قدرة فنية جديدة. أما الطالب الصغير لا يعلم شيئا في شيء وقال سأجدد اللون الشعري فهو كاذب وضعيف أصلا. هناك المقولة النقدية تقول بداية التجديد هي قتل القديم بحثا.

م: ما الأساس الذي لجأ به الشعراء المحدثون إلى نظام الشطر الشعري؟
د: هناك دعاوى يقولونها قد يصدقون فيها وقد لا يصدقون لأن هناك الصادق منهم الذي لجأ إلى هذا الشكل من أجل فلسفة خاصة وهناك أيضا من وجد الصعوبة في الالتزام بالوزن والقافية فلجأ إلى دعاوى أو حجج، هذا الأمر يعرفها الشعراء المتمكنون. قالوا لأن الشعر دفقة شعورية، قد تطول وقد تقصر الدفقة. وبناء على هذا نسير حسب فلسفة الشطر الشعري. طبعا هذا الكلام هناك من يخالفونه من الشعراء الملتزمين بالوزن والقافية. الأفكار مختلفة واختلاف الفكر لا يدل على الصواب والخطأ دائما لكنها أذواق وهي طريقة في الكتابة ولكل إنسان طريقة خاصة به. فلا نقول لهؤلاء أنتم على خطأ ولا نقول لهؤلاء أنتم على صواب.

م: من الرائد في هذا المجال؟
د: هناك آراء مختلفة بين الدارسين من أشهرها؛ نازك الملائكة – شاعرة عراقية، بدر الشاكر سياب عراقي، وصلاح عبد الصبور مصري، وهناك آراء أخرى كثيرة. من وجهة نظر شخصيتي أنا، أرى أن الريادة الأحق بها هي نازك الملائكة. لماذا؟ لأنها كانت عندها ثقافة غربية وكتبت الشعر العمودي الموزون كثيرا جدا، وإنها كانت مثقفة ثقافة عظيمة وعندها تجربة حقيقية، فمن ثم أنا أعتبرها هي الرائدة حتى ولوأنها تأخرت في الظهور، ولا أنظر للأمر بمقياس تاريخي وإنما بمقياس فني. ومن المقياس الفني أنها أكثرهم اتصالا بالثقافة الغربية وأنها أكثرهم قدرة على استيعاب التقنية الفنية الحديثة.

م: ما رأيك فيمن كتب الشعر الحديث؟
د: الإجابة كذالك ستختلف عما إذا أخذنا مصطلح الشعر الحديث بمعنى كل ما كتب في العصر الحديث عن إذا قصدناه بمعنى الشعر الحر أو التفعيلة. الواقع يضطرونا إلى أن نمشي على المعنى الأول، لماذا؟ لأن الآن أصبح الشعر الحر - بمعنى شعر التفعيلة - شيئا قديما. هناك في البداية من ظهر ودعا إلى تجوز القافية فقط، وهناك من ظهر فيما بعد من يدعو إلى التخلي عن الوزن والقافية ومخالفة الشعر الحر أصلا، وهذا ما يسمى بقصيدة النثر. كتب بدون الوزن والقافية، فكتب نثرا وقال إنه ممكن أن يظهر في صورة الشعر. الذين رفضوا الشعر العمودي جاء بعدهم من رفضهم أيضا، كما قال أستاذنا "كلما ظهرت أمة لعنت أختها".

هناك أراء كثيرة؛ منها من يرفض فكرة الشعر الحر ويقول لا داعي له، ومنها من يرفض قصيدة النثر. ومع ذلك أنا كشاعر، أميل إلى كتابة القصيدة العمودية أي القديمة أو التراثية بأسلوب حديث. أما كناقد أعطي الحرية لمن يكتب، والحكم هو الجمهور. ولا مانع مادام أن توجد نماذج جيدة وجميلة في قصيدة التفعيلة أوفي قصيدة النثر. هذا رأيي الشخصي.

وألاحظ أنا وبعض المتخصصين أيضا أن القصيدة العمودية تعود بقوة ليس على نمط قديم ولكن بأدوات فنيية حديثة وبأسلوب حديث. كانت في فترة السبعينات والثمانينات ماتت تقرىبا، حينما جاءو بالشعر التفعيلة هاجموا الشعر العمودي، والشعراء والنقاد وبعضهم كان يسبهم. وبالتالي حينما بدأت هذه المسألة بدأت بشكل عنيف، لم تبدأ بأنها حق وأنها اختلاف الذائقة وحرية شخصية، وإنما جاءت بفكر النقد القديم وهجمه، وأرفض هذا الأمر رفضا قاطعا. ليس بالضرورة حينما أوجد أن أنفيك عن المكان أو أبعدك من المكان، ويسع المكان اثنين وثلاثة وعشرة ومائة. أنا كناقد أقبل تجاور الأشياء وكل إنسان يقدم أجمل لديه، إنما تهاجمني وأهاجمك سنكون خاسرين جميعا.

إذا شئت أن تكتب القصيدة التفعيلة أو قصيدة النثر، اكتب ودعنا نحكم! لا مشكلة في الكتابة، إذا كانت كتابتك جيدة ستعيش أما إذا كانت الكتابة ضعيفة أو مفتعلة أو مدعاة ستذهب إلى مزبلة التاريخ. وهذا أيضا ينطبق على الشعر العمودي، بعض من يكتب الشعر العمودي كان ضعيفا في الموهبة أيضا وليس لديه فكرة قوة الطبع فيرجع إلى شكل الوزن والقافية فقط ولكن دون تجربة وعاطفة فيكون الشكل جافا، لا نستمتع بالشعر. هناك مقولة تراثية تقول " ليس كل من عقد وزنا بقافية فقد قال شعرا "، إذن المسألة ليست في الشكل وإنّما هي في الجوهر في الأساس.

كل هذه الأشكال ستعيش مع بعضها مع بعض والحكم للجمهور أو للمستمع، تجاريب جيدة من كل الشكل هي التي ستبقىى ولا يوجد فن يقتل فنا آخر طالما كان فنا صادقا وحقيقيا ويقدم إشباعا جماليا للمستمع أو المتلقي.


Editor I: Tim Editor Majalah Fan Maqal Tahun 2019-2020
Editor II: Syafri Al Hafidzullah

Posting Komentar

Post a Comment (0)

Lebih baru Lebih lama